الغزوات ألوهابيه على الأضرحة المقدسة
في كربلاء والنجف خلال القرن التاسع عشر الميلادي.🍁
ويذكر المؤرخ ياسين العمري : ان قافلة من نجد جاءت للعراق بحراسة فرسان من إتباع ابن سعود وبعد ان باعت بضاعتها في بغداد وشرائها ما تحتاجه فعند رجوعها لبلادها عرّجت بطريقها على النجف ، فشاهد الوهابيون شيخ عشيرة الخزاعل وهو يُقبل المرقد العلوي الشريف فهجموا عليه وقتلوه ، وإذ ذاك نشبت معركة دامية بين الوهابيون والخزاعل وقتل فيها الكثير من الطرفين وقدر عدد
القتلى الوهابيين حوال ثلثمائه قتيل ونهبت أبعارهم وخيلهم ، وعقب ذلك ثارت ثائرة عبد العزيز بن سعود وطالب بدم القتلى من اتباعه رغم إنهم من بدأو المشكله ، واتخذ من تلك الواقعة ذريعة لإلغاء الصلح مالم تدفع ديات القتلى ، ولم تنفع معه محاولات ( عبد العزيز الشاوي ) الذي كلفه الوالي عند رجوعه من الحج ان يتفاوض مع ابن سعود لحل المشاكل ،
لذلك اتجه الوهابيون للعراق للانتقام من قتلاهم ،
فهاجموا بلدة عانه في عام 1801 ونهبوا بعض بيوتها وقتلوا أربعين شخصاً من سكانها ، ثم أغاروا بعدئذ على كبيسه ولكن عشيرة العبيد قاتلتهم فولوا الأدبار ،
ثم جاءت سنة 1802 لتشهد أشرس هجوم للوهابيه على كربلاء ألمقدسه بهدف هدم وتخريب ونهب لضريح الأمام الحسين عليه السلام ، تلك الحادثة التي عُدتْ الأقوى بعد حادثة سنة 236 هجريه والتي ذكرها جلال الدين السيوطي في كتاب تأريخ الخلفاء وفيها " أمَرَ فيها المتوكل بالله العباسي " بهدمِ قبر الحسين ، وهدم ما حوله من الدور وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارتهِ ، وخُرِبَّ وبقى في الصحراء ، وكان المتوكل معروفاً بالتعصب ، فتألم المسلمون من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمهِ على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، ومما قيل في ذلك :
باللهِ إن كانت أميةِ قد أتت ..... قتل ابن بنتِ نبيها مظلوما
فلقد أتاهُ بنو ابيهِ بمثلهِ ...... هذا لعمري قبرهُ مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا.. في قتلهِ فتتبعوهُ رميما !! "
مهاجمة الوهابيون لكربلاء واستباحتها :
جاء هجوم ألوهابيه على كربلاء سنة 1802م في وقتٍ كانت فيهِ بغداد تعاني من تفشي وباء الطاعون وكان واليها مريضاً يعاني من مرض المفاصل ، حيث يذكر (لونكريك) في كتابه أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث ، في استعراضه للهجوم الوهابي بأن والي العراق المملوكي (سليمان باشا )كان في الخالص مبتعداً عن الطاعون الذي انتشر في بغداد عندما وصله خبر تحرك القوات الوهابية نحو العراق للغزو الربيعي المعتاد فأصدر أوامره الى نائبه (الكهية) علي باشا بالتحرك نحو كربلاء لصد الغارات الوهابية وبينما كان القائد العثماني يجمع جيشه في الدورة قرب بغداد ، هاجم الوهابيون كربلاء ، وكانت في هذه الفترة عبارة عن قصبة صغيرة مؤلفة من ثلاثة إطراف يعرف الأول ـ محلة آل فائز ، والثاني آل زحيك ، والثالث آل عيسى ، وكان معظم سكانها في زيارة للنجف فسارع من كان فيها لإغلاق أبواب السور حيث كانت مسورة بسور بسيط من اللبن وسعف النخيل وجذوعه والطين ، لكن المهاجمين تمكنوا من فتحه عنوة فكانت الفاجعة الكبرى والتي دلت على منتهى القسوة والهمجية والطمع واستخدمت اسم الدين فيها ، حيث داهمت كربلاء أعداد كبيرة قدرتها بعض المصادر بأربع عشر ألف إلى ستة عشر إلف فارس وراجل وذكرت مصادر أخرى أنهم بحدود خمسة وعشرون ألف من الفرسان وقد امتطوا الحياد العربية الأصيلة ، وكانوا قبل ذلك قد بعثوا جماعة منهم إلى ضواحي كربلاء وقد ارتدوا زي الزوار وجرى بينهم وبين عمر أغا والي كربلاء اتفاقا .
وفي يوم 22 من شهر نيسان من سنة 1802 الموافق 18 من شهر ذي الحجة من سنة 1216 هجرية هاجمت هذه المجموعات المسلحة الوهابية مدينة كربلاء وقد دخلوا المدينة على حين غرة ٌ لكون هذا اليوم يصادف عيد الغدير وكان معظم السكان في مدينة النجف الأشراف لأحياء هذه المناسبة ، وعند دخول المهاجمين الوهابيون المدينة تعالت أصواتهم ( اقتلوا المشركين ) .
وبدؤا يقتلون كل من يلقونه في طريقهم من الشيوخ والنساء والأطفال ، وشق الوهابيون طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها فهدموا القبة التي تقع فوق ضريح الأمام الحسين عليه السلام ، واقتلعت القضبان المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة وهدوا أجزاء من القبر الشريف ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشاوات والأمراء وملوك الفرس ، ونهبوا المجوهرات الثمينة وحرقوا الكتب والمصاحف وكذلك سلبت الزخارف بعد ان قُلعت من الجدران وقلع الذهب من السقوف كما أخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر وقلعت الأبواب المرصعة وقد سحبت جميعها ونقلت للخارج ، وزيادة على هذا فقد قتل قرابة خمسين شخصاً بالقرب من ضريح الحسين عليه السلام وخمسمائة أيضاً خارج الضريح في الصحن ، ودقوا القهوة في الرواق الحسيني الشريف ، اما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المستوحشون فيها فساداً وتخريباً ، وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه في طريقهم كما سرقوا كل دار ولم يرحموا شيخاً ولا طفلا ولم يحترموا النساء ولا الرجال واختلف المؤرخون بتقدير الضحايا التي فاقت الخمسة آلاف نسمه وقدرها بعضهم بثمانية آلاف ، ووصف ياسين العمري في كتابه «غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر» ما حل في المدينة من تخريب بقوله : " لم يبق من بيوتها الا داراً واحدة كانت محصنة بالبناء الشامخ وأجتمع فيها نحو خمسين رجلاً وجعلوا يضربون بالبنادق وقتلوا من الوهابيين عدداً كبيراً "،
بعدها ترك الوهابيون كربلاء وحملوا غنائمهم النفيسة بعدما أزهقوا أرواح الآلاف الأبرياء من المسلمين ، وتوجهوا نحو النجف الاشرف لهدم ضريح الإمام علي عليه السلام ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك لمناعة سورها الخارجي واستبسال رجالها في الدفاع عنها فرجعوا الى الدرعية وقيل أيضا إن أبن سعود جمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه.. الخ.
وحرصاً على النفائس الموجودة في ضريح الأمام علي بن ابي طالب عليه السلام من الهجمات وإعمال النهب المحتملة للوهابيين على النجف ، فقد أمر الوالي بنقلِ النفائس التي كانت موجودة في خزنة النجف إلى خزانة الأمام موسى الكاظم عليه السلام حيث انتدب لنقلها الحاج محمد سعيد بك الدفتري ، فقام وعاد الى بغداد بما يجب ..
وصل بعد ذلك القائد العثماني علي باشا الى كربلاء بعد انسحاب الوهابيين منها ، فقام ببناء سور لها ، وعاد اليها من نجا من أهلها . وبدأ العمران يعود اليها مجدداً رويداً رويداً ، الأمر الذي دفع الى الاهتمام بحصانة سورها .
(وقد أقيم حول السور الأبراج والمعاقل ، ونصب له آلات الدفاع على الطراز القديم ، وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو فأمنت على نفسها ، وعاد إليها بعض الرقي والتقدم ).
وذكر بعض المؤرخين ان الناس كانوا يتهمون عمر آغا حاكم كربلاء آنذاك بالتواطؤ مع الوهابيين ولم يعمل شيئاً لحماية كربلاء حتى إنه ما ان علم بالخطر حتى فر إلى قرية قريبه بدلاً من مقاومة الأعداء ، لذلك أمر والي بغداد سليمان باشا بإعدامه فأعُدم ،
وتلقت حكومة ايران نبأ غزو الوهابيين لكربلاء ببالغ الحزن والأسى وأمر الشاه ( فتح علي القاجاري) بإعلان الحداد العام في إرجاء إيران وإقامة المآتم ولبس السواد وأرسل احتجاجاً شديد اللهجة لوالي بعداد متهماً إياه بعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية العتبات ألمقدسه وطلب بأخذ الثأر من الوهابيين وإلا فأنه سيقوم بنفسه ويهجم على بغداد ويحتلها ، لكن الوالي كان طاعناً في السن ومريضاً، ومن جهة أخرى انشغل شاه إيران بالهجوم المفاجئ على الحدود الشماليه لبلاده من قبل روسيا لذلك فات عليه الانتقام ..
حادثة مقتل عبد العزيز بن سعود :
في يوم جمعة من أواخر عام 1803 قُتلَ ( عبد العزيز بن سعود) من قبل شخص أفغاني الأصل كان يُقيم في بغداد أسمه ( ملا عثمان) قيل إنه نذر نفسهُ للدفاع عن الإسلام وعزم أن يقتل رئيس الوهابيين ، وقيل في رواية أخرى إنه من اهل كربلاء وأنه كان فيها إثناء غزو الوهابيين لها وشهدَ بأم عينيه كيف ذبحوا زوجتهُ وأطفاله فأقسم َ على الانتقام ، ومهما يكن الحال فقد ذهبَ ملا عثمان الى ( ألدرعيه) عاصمة الوهابيين وهو بزي درويش فأختلط بهم حتى اطمأنوا اليه ووثقوا بهِ فكان يُصلي في الصف الثالث في صلاة الجماعة وراء الأمير عبد العزيز بن سعود مباشرة وفي يوم الجمعة المذكور أنتهز الفرصة إثناء الركوع فألقى بنفسهِ على الأمير وطعنهُ بمديةٍ اخترقت بطنهُ من الخلف ، ولم يكتف بذلك بل طعنَّ عبد الله شقيق الأمير وكان يصلي بجانب شقيقه فجرحهُ جرحاً بليغاً ولكن هذا أسرع ورغم إصابته وهوى على القاتل بسيفهِ فقتلهُ ..
وتولى إمارة الوهابيين بعد عبد العزيز أبنه سعود ، وقد عزم على الانتقام لأنه ظنَّ إن القتل جرى بتحريض من والي بغداد ، فأغار على عشيرة الظفير وكانت منتشرة في البادية بموسم الربيع ونهبها نهبا ، ثم توجه نحو البصرة فهدم الجانب الجنوبي وقتل الكثيرين ، أغار على جماعة من المنتفق كانوا قرب البصرة وقتل منهم وأسر رئيسهم منصور بن ثامر السعدون وحاصر بعد ذلك الزبير لمدة اثني عشر يوما وأجهضوا الحوامل وحصد الوهابيون المحاصيل الزراعية وكانت قد نضجت ، ثم هدموا جميع القبور والمشاهد الموجودة خارج السور كمشهد طلحة بن الزبير والحسن البصري ثم عادوا من حيث أتوا ، واستمر الحال هكذا كل موسم ربيع تقريباً،
هجوم وهابي آخر على النجف :
وفي أواخر نيسان من عام 1806 جاءت الأنباء إلى اهل النجف بأن الوهابيين قادمون لغزوها ، فأخذ الكثيرون من الناس يهربون من البلدة مخافة ان يفعل الوهابيون بها مثلما فعلى بكربلاء قبل أربعة أعوام ، وفي الليلة التاسعة من صفر سنة 1221 هجريه قبل الصبحِ بساعة هجم الوهابيون على النجف حتى ان بعض اصحابهِ صعدوا السور وقد أوشكوا ان ينجحون في غارتهم المفاجئة لولا ان عالجهم النجفيون من السور فكسروهم شر كسرة.🍁
تعليقات
إرسال تعليق
شكرا لك لزيارة موقعنا نتمنى ان ينال اعجابك :)
أي ملاحظات أو اقتراحات لا تتردد في كتابته في تعليق....!
وضع علامة صح في مربع اعلامي لكي يرسل لك تنبيه في بريدك الالكتروني
عندما يتم الرد على تعليقك , مع تحياتي